..:: هنا أحمد ::..
» عزيزي الزائر لا تبتـئس  » تخليداً لذكراك يا محمد جعفر  » .:: عـيـدكم مـبـارك ::.  » قرقع قرقيعان .. وكل عام وأنتم بخير  » التسوق الذكي  » نبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك  » هناك ثمن لكل خبر!  » خاص جداً .. شكراً بحجم السماء  » كما توقعت: صافولا تشتري سلسلة أسواق جيان  » مصطلح: مدينة صديقة للمشاة!  

  

أحمد العامر - قصة قصيرة كتبتها عام 2004 - 02/02/2009م - 12:46 ص | مرات القراءة: 7298


في بداية يوم عملٍ جديد ، استعد سالمٌ لخروجه بعد أن أخذ ذلك الدش الدافئ و استعان بالمرآة ليعد هندامه و شخصيته ، لم ينس بالتأكيد أن يرش من قنينة عطره الباهض الثمن على ثوبه. ثم خرج متوجهاً إلى مكان عمله.

 احساس الموت


في بداية يوم عملٍ جديد ، استعد سالمٌ لخروجه بعد أن أخذ ذلك الدش الدافئ و استعان بالمرآة ليعد هندامه و شخصيته ، لم ينس بالتأكيد أن يرش من قنينة عطره الباهض الثمن على ثوبه. ثم خرج متوجهاً إلى مكان عمله.

يعمل سالمٌ صاحب الثلاثة عقود مديراً لمصنع تملكه العائلة و هو مصنعٌ للحلويات يغطي بمنتجاته السوق المحلية الذي بدأ منذ سنة تقريباً التصدير إلى دولتي البحرين و الكويت.
عند الساعة السابعة و النصف دخل سالم مكتبه في الدور الثاني تعلوه الابتسامة التي جعلها عنواناً و واجهة يقابل بها عملاء المصنع.

ما إن جلس على كرسيه حتى بادره العم مسعود بسؤاله الصباحي: ” شاي و لا قهوه يا بيــــه ؟ ” ، فأجابه : ” عصير برتقال ” ، فعقب عليه العم مسعود مبتسماً و يعلوه شيئاً من الاستغراب : ” نشرب الشربات إن شاء الله ليلة زواجك ، بس هذي أول مرة تطلب فيها عصير من سنتين تقريباً ! ”
فقال سالم: ” لا أعلم يا عم مسعود فأنا اليوم أحس بضيق في صدري أود أن أزيحه ” ، فرد عليه العم مسعود: ” خيراً إن شاء الله ، سأحضر لك أفضل عصير برتقال عرفته المنطقة الصناعية كلها”. ابتسم سالم للعم مسعود الذي خرج و أغلق الباب مسرعاً ليلبي طلب سالم الذي يعتبره بمثابة ابنه.

على صوت إغلاقة الباب سرح سالم بفكره خارج أسوار المصنع، إلى أحداث الليلة السابقة، فقد اجتمع و إخوته الثلاثة الكبار اجتماعاً لينهوا مسألة توزيع تركة والدهم المرحوم. فقد توفي الحاج عبدالله قبل سنة و ستة شهور تقريباً، و منذ ذلك الوقت و هؤلاء الإخوة الأربعة في خلاف حول طريقة توزيع الورثة. ما أزعج سالم كثيراً كان محاولة إخوته لإقناعه بأن يرضَ بأخذ قطعة الأرض التي حصل عليها والدهم خلال منحة حكومية ومبلغا لا بأس به من المال إكمالا لنصيبه من الورثة ، مشكلة هذه الأرض الأساسية أنها تقع في مكان بعيد و غير مأهول و ليس لها أي أمل تجاري هذا بالإضافة إلى بعض الأسهم، بينما بقية الأخوة فقد طمعوا ببقية التركة التي تحتوي على المصنع و مزرعتين و ثلاث عمارات.

مع كل صورة تراوح مخيلته كانت تصيبه بسهام الكآبة وهم ، تذكر كيف كاد الخلاف الشديد و رفع الصوت أن يصل إلى التضارب فيما بين الأخوة . آثر سالم أن ينسحب من الجلسة و يتوجه إلى غرفته كاتماً غيظه في قلبه ، فقد اعتاد أن يريح قلبه الضعيف الذي أجريت عليه في طفولته عملية جراحية خطرة .

” إتفضل يا بني ، أحلى و أنعش عصير برتقال في الدنيا كـلِّتهه ” كان هذا صوت العم مسعود الذي أيقظ سالم من امتعاضه لهذه الذكرى القريبة والأليمة ليأخذ كأس العصير من يد العم لـ” يروق به دمه ” كما يقول العم مسعود.

توجه سالم إلى الأوراق المتراكمة أمامه و أخذ بتسيير الأمور هنا و هناك مزاحماً أفكاره وهواجسه ، و أجرى العديد من الاتصالات و المشاورات، كان أهمها تجهيزاته للشحنة التي سيصدرها قريباً للإمارات كأول شحنة من مصنعه تصل إلى ذلك السوق، و نجاح هذه الخطوة يعني بُعد جديد و موقع استثمار و ربح جديد يعطي الشركة صبغة أكثر قوة وعالمية بعد أن تمكن من السوق المحلي و الكويتي و البحريني.

تعود سالم أن يأخذ جولة يبدأها عند الساعة العاشرة على جميع أقسام المصنع يطمئن خلالها على سير العمل ، و راحة الموظفين الذين يعاملوه كأخٍ لهم بعدما وجدوه أهلاً للثقة و وجدهم أهلٌ للأمانة.

في جولته الإعتيادية هذا اليوم أخبر سالم الموظفين أن عليهم اليوم أن يبقوا في المصنع لفترة إضافية و ذلك لكي يقوموا بإنهاء الكمية المطلوبة للتصدير إلى دبي ، و قد وعدهم حينها أيضاً بيوم إجازة إضافي تعويضاً عن هذه الليلة. تقبل الموظفون هذا القرار واضعين نجاح مصنع الرجل الطيب معهم نصب أعينهم.
عاد إلى مكتبه بعد أن مر على جميع الأقسام ، ثم عكف على ما تبقى من أمور المصنع هنا و هناك.

ما أسرع ما خيم الليل بظلامه ، و ما إن رفع سالمٌ عينه عن كومة الملفات التي أمامه حتى وجد أن ساعة المكتب تشير إلى الثامنة ليلاً . ” أوووووه لقد تأخر بي الوقت ، لابد أن الموظفين قد أنهوا البضاعة المطلوبة و هم الآن بإنتظاري” بهذا كان يحدث نفسه سالم بصوتٍ عال و قد هرول خارجاً من المكتب .

أمرٌ غريب كان يساوره وهو ينزل إلى الدور الأرضي للمصنع ، لا يعلم ما هو و لكنه كان ينبئ بسوء . ما إن وصل سالم إلى قسم التغليف إلا وجد الموظفين وهم لازالوا يعملون على تغليف الحلويات و قد لاح على وجوههم نوعٌ من السرور ، فقد قاربوا على إنهاء آخر مائة كرتون حلويات . ابتسم سالم و وبخ نفسه قائلاً ” يارجل تفائل بالخير و لا تقدم السوء” . أشار إليهم سالم داعياً لهم بالتوفيق و شاكراً لهم جهودهم الجليلة .

أراد أن يطمئن على بقية الموظفين فتوجه إلى قسم التصنيع و الذي يقع في الجهة الأخرى من المصنع حيث الآلات الكبيرة و الباهضة الثمن . ما إن وصل سالم إلى هناك حتى صدمه ما رآه !
شبحُ النيران قد غطى على كل شيء ، كل ما يراه سالم كان دخاناً قاتلاً في كل مكان و شرار عدادات الكهرباء و تفجرٌ بطيء لمكائن و آلات المصنع .

حاول سالم الدخول بين النيران علهُ يجد من ينقذه ، و لكنه فوجئ بتلك الجثث في كل مكان ، سالمٌ لا يزال في حالة ذهول فقد استغرب حدوث هذا الأمر في هذه الجهة من المصنع حيث يبدو أن الحريق قد نشب منذ مدة ليست بالقصيرة، دون أن يعلم الموظفون في الجهة الأخرى! ، و الأغرب أن صفارات الإنذار لم تعمل!.

خرج كالبرق محاولاً تحذير بقية الموظفين في المصنع وفي ذات الوقت لطلب المساعدة من مركز المطافئ القريب من المصنع .

دخل على قسم التغليف و وجدهم ما يزالون يعملون ، فأراد أن يصرخ مُحذراً … و لكن !

وجد أنه لا يستطيع الكلام ، فكأنما قد التصقت أسنانه ببعضها ، أو كأنه قد فقد قدرته على الكلام !

” أممممم ممه أممم أممم أأ أأ أأأأأ ممممممم ” مع ذلك لازال سالم يصرخ و لو بهذين الحرفين محذراً أولئك الموظفين .
دهشة أخرى أنصدم بها ، فالموظفين لا يسمعونه و لا حتى يشعرون بوجوده !

هنا أحس سالم بضيقٍ في التنفس ، و بنارٍ حامية تحرق أحشاءه من الداخل و كأنه شرب كأساً من الشمس.

أخذ يترنح هنا و هناك و قد انحنى ظهره و بدا عليه و كأنه كهلٌ قد تعدى التاسعة و التسعين ، ساقته رجلاه المترنحتان إلى قسم المحاسبة و السكرتارية و شؤون الموظفين ثم إلى المستودع ، وبنفس الحرفين كان يصرخ سالم في الموظفين الذين مازالوا يعملون حتى تلك الساعة . و نفس الدهشة قد ازدادت حين وجدهم سالم أيضاً لا يستمعون إليه ، و كأنه شبحٌ أو مجرد نسمة هواء .

نار أخرى في صدر سالم ، جعلته يتنفس بصعوبة بالغة. فالأمر الذي كان يحز في نفسه و يصعب الأمر أكثر هو أنه يجد نفسه شبحاً بين الآخرين ، فكيف يكون ذلك !

سقط على أرض المصنع الذي بناه مع والده وقد أنهكه التنقل و الصراخ ناهيك عن لهب الحرارة الذي يخرج من حشاه.

فجأه وجد سالم أن العم مسعود قد أتى بجانبه ينظر إليه وقد علت وجهه ابتسامة حزينة لم يستطع سالمٌ في تلك الحالة أن يشخصها.

ينظر إلى العم مسعود و يفكر في آلاف الأمور التي تمر أمامه في لحظات اختلطت خلالها تلك الأصوات و الوجوه و الصرخات و الإبتسامات و الأمور المتعلقة و الآمــــــــــــــــــــــال التي كان يبنيها .

” آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ” صرخ بها سالمٌ في داخله . فقد أخذت نار حشاه تأكله من الداخل .

أخذت الدنيا تنطفئ في عينيه شيئاً فشيئاً . ووجه العم مسعود أخذ في الإختفاء إلى عالم السواد . أحس سالم و كأن هناك من ينتزع قلبه إلى خارج جسمه ، أو كأن من يسلخه من جلده . و جبينه قد تصبب عرقاً.

لازال يتابع ما يجري و لكنه علم أنه قد فقد السيطرة على جميع أنحاء جسمه ماعدا لسانه بنحو التحريك لا الكلام المسموع ، وكذلك إصبعه السبابة في يده اليمنى . فاغتنم الفرصة و أخذ بترديد آياتٍ من القرآن الكريم الذي كان يتعهده بالقراءة بعد كل صلاة فجرٍ .. نعم بهذا كانت توصيه أمه الحاجة أم حسين بألا يترك ترديد القرآن حتى حين يصارع الموت.

إستسلم سالمٌ إلى تلك القوة التي تنزع عنه روحه ، وعندها اختفى وجه العم مسعود و غطى ذلك السواد كل شيء .

بعد ذلك بثوانٍ وجد نفسه وسط عالم من بياض و أنوارٍ تتلألأ في مكان واسع على مد البصر .

“لا إله إلا الله ” كلمات أيقظته من نومه .
كانت تلك الكلمات بصوتٍ عالٍ تسببت في إيقاظ سالم من نومه و من حلمه المخيف .

نعم استيقظ من نومه و لكنه وجد نفسه وقد لُـفَّ في خرقة بيضاء يسمونها كفن !
قد رُفع على تلك الأعواد ، وعلى الأكتاف سير به إلى صندوق عمله في جوف أمنا الأرض.

..

توفي سالم إثر ذبحة صدرية أصابته و هو نائم على فراشه ، بعد ليلة متوترة اختلف فيها مع إخوته .

لا إله إلا الله ، محمدٌ رسول الله  … هذا ما وعد الله ونبيه وصدق المرسلون

 

أحمد

20Jan2004





  
التعليقات «0»


لاتوجد تعليقات!